هل السنة والجماعة:

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
هل السنة والجماعة:

أحــہٰٰ۫ـــفاد الصــہٰٰ۫ـــحــہٰٰ۫ـــابه رضــہٰٰ۫ـــوان الله عليۦ‏ــہٰٰ۫ـــهمے أحــہٰٰ۫ـــفادعمــہٰٰ۫ـــر الفاروق .


    الصديقة الطاهرة

    فتون السلمي
    فتون السلمي
    صــــاحــــب المــــوقــــ؏ے
    صــــاحــــب المــــوقــــ؏ے

    عدد المساهمات : 223
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 11/06/2016
    الموقع : جدة
    27062016

    الصديقة الطاهرة Empty الصديقة الطاهرة

    مُساهمة من طرف فتون السلمي

    الصديقة الطاهرة %D8%B9%D8%A7%D8%A6%D8%B4%D8%A9(6)


    الصديقة الطاهرة


    منذ أيام خلت قام رافضي معمم ينتسب إلى الطريقة الشيرازية وجماعة خدام المهدي، وهو أحقر من أن يذكر اسمه، فلعن وسب وشتم وقذف مليار ونصف المليار مسلم، لم دع واحداً منكم إلا سبه ولعنه وقذفه في عرض أمه وأحب الخلق إلى نبيه من أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم. لعن أم المؤمنين عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعن الخاسر الخبيث من نزل القرآن في علو شأنها وبراءتها، ولا ندري ما قيمة هذه الآيات عنده ﴿النَّبًيُّ أَوْلَى بًالْمُؤْمًنًينَ مًنْ أَنفُسًهًمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأرْحَامً بَعْضُهُمْ أَوْلَى بًبَعْض﴾، وهل قرأ الخبيث قول الله عز وجل: ﴿وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾. قال الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: عائشة، قال: فمن الرجال؟ قال: أبوها» [رواه البخاري].
    عائشة أم المؤمنين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب الناس إليه، وابنة الصديق رضي الله عنه، المبرأة من فوق سبع سنوات، الفقيهة العابدة، يسبها ويطعن في عفتها وشرفها من في قلبه مرض، ومن قطع لحقد في صدره، عليه من الله ما يستحق.
    إنه الخاسر الفاجر الفاسق الذي لبس عمامة على ناصية كاذبة خاطئة، ينتمي إلى منظومة سمت نفسها خدام المهدي (والمهدي المنتظر الثابت عند أهل السنة منه براء)، هذه الفئة جعلت شتم الصحابة عقيدة يجاهرون بها بلا تقية ولا مواربة. يصانعون طواغيت الاحتلال، ولم يسلم منهم عرض النبي وزوجته التي أنزل الله براءتها في وحي يتلى إلى يوم القيامة، فآذوها بالافتراء، وآذوها بالسب والشتم والطعن القبيح، وآذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطعن في عرضه، فاستحقوا لعنة الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا﴾.
    ولسنا بهذا نكفر عوام الشيعة الذين رجع كثير منهم إلى الحق يوم أن تبينوا خبث عقائد الرافضة ممن تقول بتحريف القرآن والطعن في الصحابة والطعن في أمهات المؤمنين، لكن التبعة والخطر والأحكام تتعلق بمن عرفوا الحق فكتموا إضلالاً للعامة ممن لا زالوا يعلمونهم أن دينهم لا يستقيم إلا باتخاذ الأئمة بينهم وبين الله وسائط، والشك في القرآن، والغلو في الأئمة بأوصاف الألوهية ـ والأئمة عليهم السلام منهم براء.
    وليس حديثنا اليوم مهرجاناً لإثارة طائفية أو فتنة مذهبية، وإنما هو ترجمة لعقيدتنا في حب نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وحب أمهاتنا أزواجه عليهن رضوان الله وأحب أزواجه إليه عائشة رضي الله عنها، ولسنا بهذا الخطاب نهدر ما شرعه الله ورسوله من الكف عمن أعرض عن أذى المؤمنين وعلى رأسهم بينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لكن لا يفهمن المتطاولون على عرض نبينا أن الصمت عن نصرة أم المؤمنين وبيان مكانتها في القرآن والسنة، أن ذلك من الحكمة وتفادي الفتنة، بل إن الحكمة كل الحكمة في بيان ما جاء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، من منزلة لأم المؤمنين عائشة أحب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه، والفتنة كل الفتنة في الصمت والسكوت والمجاملة، وشتان بين التعايش الذي يعني كف الأذى ومنع الظلم، وبين خرافة التقارب التي يفهم البعض أنها سكوت عن معتقدات الاثني عشرية في تحريف القرآن وسب الصحابة رضي الله عنهم وقذف زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإفك والبهتان.
    معاشر المؤمنين!
    إن الإدانات التي صدرت عن عدد من الشخصيات والمؤسسات الاثني عشرية، مستنكرة ما قاله هذا الزنديق، وزاعمة أن ما قاله ليس من مذهب أهل البيت، لا تكفي أيا كان الهدف منها: تبريد الأجواء أو تخفيف الاحتقان أو امتصاص فورة الغضب، أو ذر الرماد في العيون، وتخدير المشاعر المتوترة التي تأججت دفاعاً عن عرض النبي صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك.
    فالمجمع العالمي لأهل البيت، أصدر بياناً استنكر فيه ما قاله الفاجر الملعون، لكنه لم يسم في البيان الاعتذار في حق عائشة رضي الله عنها ولم يترض عنها، بل أورد عبارة (إحدى زوجات الرسول الأكرم) وفي هذا انتقاص من أم المؤمنين رضي الله عنها لا يخفى على أولي الألباب.
    وما دام أن من أصدر البيانات في نقد الفاجر الملعون لم يتروَ من المصادر والمراجع الاثني عشرية التي جاء فيها طعن ولمز وقذف لم المؤمنين عائشة وموقفهم منها فما جدوى البيانات والاستنكار على ما يقوله الأفراد طالما أن مصدر الإفك مقدس.
    وإن واجب الأمة أن يردوا عن عرض أمهم وزوجة نبيهم صلى الله عليه وسلم، مما يرميه به الحاقدون الأفاكون. روى الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من رد عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة»، وهل هناك أولى وأسمى وأشرف من الذب عن أمنا عرض النبي صلى الله عليه وسلم، الذي نفديه بأرواحنا وأموالنا وأنفسنا.
    سلَّم عليها جبريل أمين الوحي، فهل يسلم جبريل على المنافقين والكفار، كما يرميها الفاجر الفاسق الملعون؟ أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائشُ هذا جبريل يقرئك السلام». فقلت: وعليه السلامُ ورحمة الله وبركاته.
    وكان صلى الله عليه وسلم يحبها حباً كبيراً، وكانت أحب الناس إليه، كما أن أباها هو أحب الرجال إليه صلى الله عليه وسلم، فهل يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة كافرة كما يعتقد الخبيث ومن وافقه!
    عن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: عائشة، قال: فمن الرجال؟ قال: أبوها، قلت ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب، فعدَّ رجالاً» [رواه البخاري].
    وقد علم الصحابة منزلة عائشة في نفس النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة. تقول عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقلن: والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه ما كان أو حيث ما دار. قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم، قالت: فأعرض عني، فلما عاد إلي ذكرت له ذلك، فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرت له ذلك، فقال: «يا أم سلمة لا تؤذوني في عائشة، فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها» [رواه البخاري].
    وروى الإمام مسلم أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه وهو مضطجع مع عائشة في مرط فأذن لها، فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة وأنا ساكتة، فقال صلى الله عليه وسلم: «أي بنية، ألست تحبين ما أحب؟ فقالت: بلى، قال: فأحبي هذه» [رواه مسلم].
    فعلى كل سني وشيعي صادق في حب النبي وآله الكرام أن يحب عائشة وفاطمة وزوجات الرسول رضي الله عنهن أجمعين، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبها، وأمر الزهراء بأن تحبها فأحبتها رضي الله عنها... ومن لم يفعل ذلك فقد أبغض من أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
    ولما أراد صلى الله عليه وسلم فراق سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة رضي الله عنها بإذنه صلّى الله عليه وسلّم، ولما كان في مرضه الذي مات فيه يقول: «أين أنا اليوم»؟ استبطاءً ليوم عائشة، ثم استأذن نساءه أن يُمَرِّض في بيت عائشة رضي الله عنها، فَمرَّض فيه، وفي بيتها توفي بين سحرها ونحرها وفي حجرها، وجمع الله بين ريقه وريقها.
    وعائشة زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم في الجنة، قالت عائشة رضي الله عنها: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها وقال: إن فاطمة رضي الله عنها سيدة نساء أهل الجنة، فتكلمت عائشة فقال: «أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدُّنيا والآخرة، قلتُ: بلى والله، قال: فأنت زوجتي في الدُّنيا والآخرة» [رواه ابن حبان وغيره].
    فإن كانت عائشة كما يقول الفاجر الفاسق الملعون كافرة فاسقة في النار، فأين يكون زوجها صلى الله عليه وسلم؟
    عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجك في الجنة قال: «أما إنك منهن» [رواه ابن حبان].
    وعنها رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه ليهون علي الموت أني رأيتك زوجتي في الجنة» [رواه أحمد وأبو حنيفة في مسنده وحسنه الألباني].
    فهل يجوز لعن عائشة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عائشة زوجتي في الجنة» [أخرجه ابن سعد في الطبقات وصححه الألباني].
    وكيف يسوغ للحاقد الفاجر أن يزعم أنها كافرة؟!
    ثم يأتي بعده مَن يزعم أن من يكفر عائشة لا يمثل المذهب، فمن يمثل المذهب إذاً! معمم يقذف عائشة أم الكتب والمراجع القديمة؟ وسننقل طرفاً مما أوردته هذه المراجع في تكفير عائشة رضي الله عنها.
    قال الزنجاني في عقائد الإمامية: (عائشة لم يثبت لها الإيمان).
    وأوردوا في بعض تفاسيرهم رواية على جعفر الصادق في تفسير قوله تعالى عن جهنم: ﴿لها سبعة أبواب﴾ أنه قال: (الباب السادس لعسكر...) يعنون عائشة لأن الجمل الذي كانت عليه اسمه عسكر.
    وقال الكركي في نفحات اللاهوت عن عائشة: إنها مستحقة للعن. ‏
    تقول رضي الله عنها: فضلت بعشر فذكرت: مجيء جبريل بالسلام عليها من الله، قالت ولم ينكح رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا غيري ولا امرأة أبواها مهاجران غيري وأنزل الله براءتي من السماء وكان ينـزل عليه الوحي وهو معي وكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه، وقبض بين سحري ونحري في بيتي وفي ليلتي ودفن في بيتي. [الإصابة 8/19-20].
    فهل يجرؤ أحد يعتقد السوء في ام المؤمنين، زوج سيد المرسلين أن يقف مسلَّماً على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يؤذيه بسب زوجه رضي الله عنها!!
    يا مُبْغِضِي لا تَأْتِ قَبْرَ مُحَمَّدٍ *** فالبَيْتُ بَيْتِي والمَكانُ مَكانِي


    إِنِّي خُصِصْتُ على نِساءِ مُحَمَّدٍ *** بِصِفاتِ بِرٍّ تَحْتَهُنَّ مَعانِي


    مَرِضَ النَّبِيُّ وماتَ بينَ تَرَائِبِي *** فالْيَوْمُ يَوْمِي والزَّمانُ زَمانِي


    زَوْجِي رَسولُ اللهِ لَمْ أَرَ غَيْرَهُ *** اللهُ زَوَّجَنِي بِهِ وحَبَانِي


    أنا بِكْرُهُ العَذْراءُ عِنْدِي سِرُّهُ *** وضَجِيعُهُ في مَنْزِلِي قَمَرانِ


    وكانت رضي الله عنها راجحة العقل، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كَمُل من الرَّجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثَّريد على سائر الطعام ". رواه البخاري.
    وصبرت على الحاجة ومشقة العيش، وكانت تمر عليها الأيام الطويلة وما يوقد في بيت النبي صلى الله عليه وسلم نار. قالت لعروة بن الزبير يوماً: والله يا ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قلت يا خالة فما كان يعيشكم قالت الأسودان التمر والماء إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار وكانت لهم منايح فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقيناه. [رواه البخاري ومسلم].
    وكان زهد عائشة في الدنيا أمراً لا يوصف، لم يجزعها الفقر، ولم يبطرها الغنى، صانت عزة نفسها فهانت عليها الدنيا، وما عادت تبالي لإقبالها أو إدبارها. عن عروة، قال: لقد رأيت عائشة رضي الله عنها تقسم سبعين ألفاً، وإنها لترقع جيب درعها. وأُتيت مرة بمائة ألف درهم وكانت صائمة ففرقتها كلَّها، وليس في بيتها شيءٌ، فلما أمست، قالت: ياجارية، هلمي فطري، فجاءتها بخبز وزيت، ثم قالت الجارية: أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشتري لنا لحماً بدرهم نفطر عليه، قالت: لا تعنفيني، لو كنتِ ذكرتيني لفعلت. (حلية الأولياء 2/47)
    وبلغت من العلم مبلغاً كبيراً، وحرص المصطفى عليه الصلاة والسلام على تعليمها. فكان عمر بن الخطاب يحيل عليها كل ما تعلق بأحكام النساء أو بأحوال النبي البيتية، ويصل إلى مسمع السيدة عائشة عن بعض الصحابة روايات وأحكام على غير وجهها، فتصحح لهم ما أخطأوا فيه أو تبين ما خفي عليهم، حتى اشتهر ذلك عنها، فصار مَن شك في رواية أتى عائشة سائلاً، وإن كان بعيداً كتب إليها يسألها. عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ما أشكل علينا أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم حديث قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً. رواه الترمذي.
    وقال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس، وأحسن الناس رأياً في العامة. (سير أعلام النبلاء 2/179-189).
    وكانت عفيفة حيية. قالت عائشة رضي الله عنها: جاء عمي من الرضاعة يستأذن علي فأبيت أن آذن له حتى أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قلتُ: إنَّ عمي من الرضاعة استأذن عليَّ فأبيتُ أن آذن له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فليلج عليك عمُّك ".فقلتُ: إنما أرضعتني المرأة! ولم يرضعني الرجل، فقال: "إنًّه عمُّك فليلج عليك". رواه البخاري.
    تقول رضي الله عنها: كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي رضي الله عنه واضعة ثوبي، وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر رضي الله عنه والله ما دخلته إلا مشدودة عليَّ ثيابي حياءً من عمر رضي الله عنه.
    عائشة تستحي من عمر بعد موته، ثم يأتي الأفاكون المبغضون ليزعموا أن زوج النبي عائشة رضي الله عنها كانت زانية بغي بروايات لا يمكنها أن ينكروا صحتها أو يتبرأوا من مصادرها. ففي كشف الغمة للإربلي (1/479) وفي الصراط المستقيم للبياضي (2/283)، والكشكول لحيدر الآملي (133)، أن قوله تعالى ﴿ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط﴾ نزل في عائشة وحفصة.
    وفي تفسير القمي (2/377). والبرهان للبحراني (4/358)، أن المعني بها عائشة وحفصة، وأقسم القمي كما في الكافي (2/402) بقوله: (والله ما عنى بقوله ﴿فخانتاهما﴾ إلا الفاحشة...).
    وذكر رجب البرسي في مشارق أنوار اليقين أن عائشة جمعت أربعين ديناراً من خيانة وفرقتها على مبغضي علي. (مشارق أنوار اليقين لرجب البرسي 86).
    قال تعالى ﴿إن الذين جاؤ بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم * لو لا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين * لولا جاؤا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون * ولو لا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم * إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم * ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتنن هظيم * يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين * ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم * إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والاخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون * ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم *﴾.
    لما نزلت هذه الآيات ببراءة عائشة سُرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال: يا عائشة، أما والله فقد برأك.
    لقد سبح الله تعالى نفسه عند ذكر الإفك كما سبح نفسه عند ذكر الشرك به. قال المحققون من المفسرين من أئمة أهل السنة: إن الله تعالى إذا ذكر في القرآن ما نسبه إليه المشركون سبح نفسه لنفسه كقوله ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ﴾ في آي كثيرة وذكر تعالى ما نسبه المنافقون إلى عائشة فقال ﴿وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ﴾؛ سبح نفسه في تبرئتها من السوء كما سبح نفسه في تنزيهه سبحانه من الولد. أ. هـ. (الشفاء للقاضي عياض 2/267-268).
    وتَكَلَّمَ اللهُ العَظيمُ بِحُجَّتِي وَبَرَاءَتِي في مُحْكَمِ القُرآنِ
    واللهُ خَفَّرَنِي وعَظَّمَ حُرْمَتِي وعلى لِسَانِ نَبِيِّهِ بَرَّانِي
    واللهُ في القُرْآنِ قَدْ لَعَنَ الذي بَعْدَ البَرَاءَةِ بِالقَبِيحِ رَمَانِي
    واللهُ وَبَّخَ مَنْ أَرادَ تَنَقُّصِي إفْكاً وسَبَّحَ نَفْسَهُ في شَانِي
    إنِّي لَمُحْصَنَةُ الإزارِ بَرِيئَةٌ ودَلِيلُ حُسْنِ طَهَارَتِي إحْصَانِي
    واللهُ أَحْصَنَنِي بخاتَمِ رُسْلِهِ وأَذَلَّ أَهْلَ الإفْكِ والبُهتَانِ
    وكان أئمة أهل البيت يبرأون عائشة من الفاحشة، فكيف يجرؤ من كذب في دعوى اتباع أهل البيت على رميها بما برأها منه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وآل بيته وصحبه!!. قال أبو السائب القاضي: كنت يوماً بحضرة الحسن بن زيد بطبرستان، وكان بحضرته رجل فذكر عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فقال: يا غلام اضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله، هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث، فهو كافر فاضربوا عنقه فضربوا عنقه وأنا حاضر " رواه اللالكائي.
    لقد عصم الله أنبياءه من نكاح البغايا، وخيانة امرأتي نوح ولوط عليهما الصلاة والسلام كانت في الدين ولم تكن في الفراش، قال ابن كثير: فخانتاهما أي في الإيمان، لم يوافقاهما على الإيمان ولا صدقاهما في الرسالة... قال ابن العربي: قال ابن عباس لما قرأ الآية: والله ما بغت امرأة نبي قط، ولكنهما كفرتا. وبنحوه عند الطبري.
    وزعم الأفاكون أنها كافرة لأنها أذاعت سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الذي نزل فيه قوله تعالى ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾، وزعموا أن السر هو وصاية علي رضي الله عنه.ذكر التستري والكاشاني والشيرازي أن التي أفشت السر هي عائشة رضي الله عنها، وأن الحديث المسر هو: قول النبي لعائشة: إن علياً هو الوصي، أخبرت به حفصة التي أخبرت أباها، ومنه علم أبو بكر، فدعا أبو بكر وعمر جماعة من قريش فأطلعوهم على الأمر. فأجمعوا أمرهم على أن ينفروا ناقة رسول الله به عند عقبة يقال لها: هرشا، واتفقوا على أمور يكيدوا بها قتله أو سقيه السم، وتعاقدوا على ذلك بالأيمان المؤكدة. [(إحقاق الحق للتستري ص307، وعليم اليقين للكاشاني 2/637-639،، والدرجات الرفيعة للشيرازي ص296-298.[1])].
    وثمة رواية أخرى تناقض الأولى وتبين أن السر الذي أفشته عائشة وحفصة هو خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهم جميعاً. ففي تفسير الصافي للكاشاني وتفسير القمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحفصة: أنا أفضي إليك سراً: إن أبا بكر يلي الخلافة بعدي ثم من بعده أبوك، فقلت: من أخبرك بهذا؟ قال: الله أخبرني، فأخبرت حفصة عائشة، فجاء أبو بكر إلى عمر. فاجتمعوا أربعة على أن يسموا رسول الله [تفسير القمي 2/375-376.- والصراط المستقيم للبياضي 3/168-169،، وإحقاق الحق للتستري ص308، وتفسير الصافي للكاشاني 2/716-717، والبرهان للبحراني 1/320،4/352-353،، والأنوار النعمانية للجزائري 4/336-337].
    وهذا الحديث في كتب الشيعة ومراجعهم حجة عليهم لا لهم، ففيه دليل على صحة خلافة أبي بكر وعمر لإخبار النبي صلى الله عليه وسلم حفصة بذلك, وإقراره له, مع أن هذا الحديث ضعيف عند أهل السنة لا يحتجون به، وخلافة أبي بكر كالشمس لا تحتاج للأدلة الضعيفة.
    والحق أن السر الذي أسره النبي صلى الله عليه وسلم هو تحريمه العسل على نفسه إرضاء لزوجتيه كما جاء في البخاري ومسلم. وفي آية التخيير خير دليل على أن زوجاته ومنهن عائشة اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، فمن يطعن فيهن بعد ذلك.
    قالت عائشة: لما أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: " إني ذاكر لك أمرا، ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك قالت قد أعلم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقك ثم قال إن الله قال:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [قلت أفي هذا أستأمر أبوي!! فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم خير نساءه فقلن مثل ما قالت عائشة. رواه البخاري].
    والعجب من معمم ضال يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل أمر نسائه بعد موته إلى علي رضي الله عنه، يطلق منهن من يشاء. ففي الاحتجاج للطبرسي، أنه قال علي عليه السلام لعائشة أم المؤمنين: والله ما أراني إلا مطلقها.. قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي. [الاحتجاج (1/240).فهل سمعتم بامرأة مطلقة بعد زوجها، فأي فقه هذا وأي مرجع هذا؟].
    وكفروا عائشة رضي الله عنها بحجة أنها خرجت لقتال علي. والحق أنها خرجت بقصد الإصلاح بين المسلمين وليس القتال، وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين، ثم تبيّن لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تَبلّ خِمارها. وندم عامة من دخلوا في القتال، فندم طلحة والزبير وعليّ رضي الله عنهم أجمعين، ولم يكن يوم الجمل لهؤلاء قصد في الاقتتال، ولكن وقع الاقتتال بتدبير المنافقين المندسين الذين سعروا الفتنة حتى لا يجتمع المؤمنون.
    فوقعة الجمل كانت قدراً مقدوراً، وكانت بين جيشين عظيمين من المسلمين. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة" رواه الشيخان وغيرهما. ومعنى دعواهما واحدة: أي: دينهما واحد [الفتح 6/713].
    وحقيقة موقعة الجمل كما بين ابن العربي في العواصم من القواصم أنه عندما بويع علي رضي الله عنه بالخلافة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، كان كارهاً لهذه البيعة رافضاً لها، وما قبلها إلا لإلحاح الصحابة عليه، وفي ذلك يقول رضي الله عنه: ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي، وجاءوني للبيعة فقلت: والله إني لأستحي من الله أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة"، وإني لأستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد، فانصرفوا، فلما دفن رجع الناس فسألوني البيعة، فقلت: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه، ثم جاءت عزيمة فبايعت، فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين، فكأنما صدع قلبي، وقلت: اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى. وطالب بعض الصحابة علياً بالاقتصاص من قتلة عثمان، لكن لم يكن علي رضي الله عنه قادراً على تنفيذ القصاص في قتلة عثمان رضي الله عنه لعدم علمه بأعيانهم، ولاختلاط هؤلاء الخوارج بجيشه، مع كثرتهم واستعدادهم للقتال، قد بلغ عددهم ألفي مقاتل، كما أن بعضهم ترك المدينة إلى الأمصار عقب بيعة علي، وكان كثير من الصحابة خارج المدينة في ذلك الوقت، ومنهم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، لانشغال الجميع بالحج، وكان مقتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة، سنة خمسة وثلاثين على المشهور. ولما مضت أربعة أشهر على بيعة علي دون أن ينفذ القصاص خرج طلحة والزبير إلى مكة، والتقوا بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، واتفق رأيهم على الخروج إلى علي للتباحث معه في أمر قتلة عثمان، وخرج معهم من يرى رأيهم من الجند، ولما وصلت ماء الحوأب سمعت نباح الكلاب، فقالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب ". فقال لها الزبير: عسى الله عز و جل أن يصلح بك بين الناس ". فمضت ولما نزلوا البصرة اجتمع إليهم جندها فكان جيشهم قرابة من ثلاثين ألفاً. كلهم يريدون القصاص من قتلة عثمان.
    قال الطبري: ولما سمع علي رضي الله عنه بخروجهم أراد أن يردهم عن مقصدهم، ولم يكن يريد قتالهم، وإنما أراد أن ينزلهم على رأيه من التريث في معاقبة القتلة حتى يهدأ الناس. ويدل على ذلك أنه لما كان في الربذة قام إليه ابن لرفاعة بن رافع فقال: "يا أمير المؤمنين أي شيء تريد؟ وإلى أين تذهب بنا؟ فقال: أما الذي نريد وننوي فالإصلاح إن قبلوا منا وأجابونا إليه. قال: فإن لم يجيبوا إليه؟ قال: "ندعهم بعذرهم ونعطيهم الحق ونصبر، قال: "فإن لم يرضوا؟ قال: ندعهم ما تركونا، قال: فإن لم يتركونا؟ قال: امتنعنا منهم" [تاريخ الطبري 5/185].
    .ولم يكن مطلب علي لما التقى بهم سوى أن يتعاونوا جميعاً على قتلة عثمان. [تاريخ الطبري 190/5-194].
    فأرسل علي رضي الله عنه القعقاع بن عمرو إلى طلحة والزبير يدعوهما إلى الألفة والجماعة، فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال: أي أماه، ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت: أي بني الإصلاح بين الناس. قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية: فرجع إلى علي فأخبره، فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، كره ذلك من كرهه، ورضيه من رضيه، وأرسلت عائشة إلى علي تعلمه أنها إنما جاءت للصلح، ففرح هؤلاء وهؤلاء، وقام علي في الناس خطيباً، فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها، وذكر الإسلام وسعادة أهله بالألفة والجماعة، وأن الله جمعهم بعد نبيه صلى الله عليه وسلم على الخليفة أبي بكر الصديق، ثم بعده على عمر بن الخطاب، ثم على عثمان، ثم حدث هذا الحدث الذي جرى على الأمة، أقوام طلبوا الدنيا وحسدوا من أنعم الله عليه بها، وعلى الفضيلة التي منَّ الله بها، وأرادوا رد الإسلام والأشياء على أدبارها، والله بالغ أمره، ثم قال: ألا إني مرتحل غدا فارتحلوا، ولا يرتحل معي أحد أعان على قتل عثمان بشيء من أمور الناس، فلما قال هذا اجتمع ثلاثة من رؤوس الفتنة: الأشتر النخعي، وشريح بن أوفى، وعبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء، فقالوا: ما هذا الرأي؟ وعلي يطلب قتلة عثمان، وأقرب إلى العمل بذلك، وقد قال ما سمعتم، غداً يجمع عليكم الناس، وإنما يريد القوم كلهم أنتم، فكيف بكم وعددكم قليل في كثرتهم. فقال الأشتر: قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه إلا اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم، فإنما اصطلح على دمائنا ... ثم قال ابن سبأ قبحه الله: يا قوم إن عيركم في خلطة الناس، فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس، ولا تدعوهم يجتمعون. ثم قال ابن كثير: وبات الناس بخير ليلة، وبات قتلة عثمان بشر ليلة، وباتوا يتشاورن، وأجمعوا على أن يثيروا الحرب من الغلس، فنهضوا من قبل طلوع الفجر، وهم قريب من ألفي رجل، فانقسموا فريقين: فريق إل الجيش الذي فيه عائشة وفريق إلى جيش علي، فهجموا عليهم بالسيوف، فثارت كل طائفة إلى قومهم ليمنعوهم، وقام الناس من منامهم إلى السلاح، فقالوا: طرقتنا أهل الكوفة ليلاً، وبيتونا وغدروا بنا، وظنوا أن هذا عن ملأ من أصحاب علي، فبلغ الأمر علياً فقال: ما للناس؟ فقالوا: بيَّتَنا أهل البصرة، فثار كل فريق إلى سلاحه، ولبسوا اللأمة، وركبوا الخيول، ولا يشعر أحد منهم بما وقع الأمر عليه في نفس الأمر، وكان أمر الله قدراً مقدراً، وقامت الحرب على قدم وساق، وتبارز الفرسان، وجالت الشجعان، وتواقف الفريقان، وقد اجتمع مع علي عشرون ألفاً، والتف على عائشة ومن معها نحوا من ثلاثين ألفاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والسابئة أصحاب ابن السوداء قبحه الله لا يفترون عن القتل، ومنادي علي ينادي: ألا كفوا ألا كفوا، فلا يسمع أحد.
    عن الحسن بن علي قال: لقد رأيته - يعني علياً - حين اشتد القتال يلوذ بي ويقول: يا حسن، لوددت أني مت قبل هذا بعشرين حجة أو سنة. وترك الزبير القتال ونزل وادياً فتبعه عمرو بن جرموز فقتله وهو نائم غيلة، وحين جاء الخبر إلى علي رضي الله عنه قال: بشر قاتل ابن صفية بالنار. وجاء ابن جرموز معه سيف الزبير، فقال علي: إن هذا السيف طال ما فرج الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما طلحة رضي الله عنه، فقد أصيب بسهم في ركبته فمات منه، فوقف عليه علي رضي الله عنه، فجعل يمسح عن وجهه التراب، ويقول: رحمة الله عليك أبا محمد، يعز علي أن أراك مجدولاً تحت نجوم السماء، ثم قال: إلى الله أشكو عجري وبجري، والله لوددت أني كنت مت قبل لهذا اليوم بعشرين سنة.
    وقال علي: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير وعثمان ممن قال الله فيهم ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾. ولما قيل لعلي: إن على الباب رجلين ينالان من عائشة، أمر القعقاع بن عمرو أن يجلد كل واحد منهما مائة، وأن يخرجهما من ثيابها.
    وسألت عائشة رضي الله عنه عمن قتل معها من المسلمين، ومن قتل من عسكر علي، فجعلت كلما ذكر لها واحداً منهم ترحمت عليه ودعت له. ولما أرادت الخروج من البصرة، بعث إليها علي بما تحتاجه من مركب وزاد ومتاع، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة، وسيرَّ معها أخاها محمد بن أبي بكر - وكان في جيش علي - وسار علي معها مودعاً ومشيعاً أميالاً، وسرَّح بنيه معها بقية ذلك اليوم.
    وودعت عائشة الناس وقالت: يا بني لا يعتب بعضنا على بعض، فقال علي: صدقت، وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ثم نادى مناد لعلي: لا يقتل مدبر، ولا يدفف على جريح، ومن أغلق باب داره فهو آمن، ومن طرح السلاح فهو آمن.
    فهل يسوغ بعد هذا كله لأحد أن يطعن في أم المؤمنين وزوج رسول رب العالمين وحبيبة سيد المرسلين؟!
    مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

    لا يوجد حالياً أي تعليق


      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 15, 2024 10:51 am