هل السنة والجماعة:

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
هل السنة والجماعة:

أحــہٰٰ۫ـــفاد الصــہٰٰ۫ـــحــہٰٰ۫ـــابه رضــہٰٰ۫ـــوان الله عليۦ‏ــہٰٰ۫ـــهمے أحــہٰٰ۫ـــفادعمــہٰٰ۫ـــر الفاروق .


    عائشة رضى الله عنها الحميراء

    فتون السلمي
    فتون السلمي
    صــــاحــــب المــــوقــــ؏ے
    صــــاحــــب المــــوقــــ؏ے

    عدد المساهمات : 223
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 11/06/2016
    الموقع : جدة
    27062016

    عائشة رضى الله عنها الحميراء Empty عائشة رضى الله عنها الحميراء

    مُساهمة من طرف فتون السلمي

    [*]لقد حازت عائشة رضي الله عنها على خصائص وفضائل لم يشركها فيها أحد من بنات جنسها ممن كن في عصرها، فضلاً عمن أتين بعدها، ومن هذه الخصائص والفضائل: مكانتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدة حبه لها، حيث أنه لم ينزل عليه الوحي إلا في لحافها دون سائر أزواجه، وكذلك أنه مرض في بيتها وتوفي فيه ودفن فيه وغيرها من الفضائل، ومن فضائلها: علمها رضي الله عنها فقد قال عنها الصحابة والتابعون والعلماء: إنها أعلم وأفقه نساء الدنيا، ومن فضائلها حسن عشرتها للنبي صلى الله عليه وسلم، وزهدها وإنفاقها للمال في سبيل الله وجهادها وعبادتها وورعها رضي الله عنها وأرضاها. 
    [*]فضائل عائشة رضي الله عنها وخصائصها ووصفها :-
    [*]الحمد لله هو لكل خير يرتجى، وإليه من كل شر الملتجأ؛ والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن بهم اقتدى، وإن هدى الله هو الهدى، من تمسك به اهتدى، ومن حاد عنه ضل وغوى.
    [*]أما بعد:
    [*]أيها الإخوة الكرام! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وهذا موعدنا مع الدرس الخامس والخمسين وهو اليوم بعنوان: عائشة الحميراء قدوة النساء، وقد سلف لنا أحاديث عديدة حول ما يتعلق بالمرأة المسلمة وبعض الموضوعات المتعلقة بها، واليوم حديثنا عن عائشة رضي الله عنها يخدم هذا الجانب على وجه الخصوص، وإن كان في موضوع سيرتها ما هو نافع ومفيد للمجتمع المسلم كله رجالاً ونساءً؛ لأن في مواقفها وتعاملها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيما مضى بها من الأحداث والوقائع مع الصحابة رضوان الله عليهم ما فيه كثير من الدروس والعبر.
    [*]والحديث الذي يجري في هذا الصدد أيضاً له سبب آخر؛ لأن ما يتعلق بتراجم النساء وقدوات المؤمنات يعتبر قليلاً في جانب ما هو منصوب من القدوات في صفوف الرجال، فنحن نعلم أن الحديث يكثر عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الأئمة العلماء، وعن سلف هذه الأمة، ونذكر الإمام أحمد و الشافعي و أبا حنيفة والإمام مالكاً وغيرهم من هؤلاء، ويقل ذكر قدوات النساء، فلعل ذكر عائشة رضي الله عنها يعتبر مثالاً يحتذى؛ لما لها من عظيم الفضائل وكثير الخصائص رضي الله عنها وأرضاها. 
    [*]فـعائشة رضي الله عنها كما قال الذهبي : بنت الإمام الصديق الأكبر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر عبد الله بن قحافة عثمان بن عامر القرشي القرشية التيمية المكية النبوية أم المؤمنين رضي الله عنها، فقد حازت الفضل من كل جوانبه، ونالت الشرف من سائر أوجهه، وهي التي ولدت في ظلال الإسلام كما قالت: (لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين). 
    [*]فقد ولدت في الإسلام وفي بيئة إسلامية وحتى ندرك بإيجاز أول ما يتعلق بسيرة عائشة رضي الله عنها نقول: { إن النبي صلى الله عليه وسلم عقد عليها وهي ابنة ست سنين، ودخل عليها وهي ابنة تسع سنوات، وتوفي عنها صلى الله عليه وسلم وهي ابنة ثماني عشرة سنة }.
    [*]فتأمل هذه السيرة التي أهلتها بعد ذلك إلى أن تكون قدوة من القدوات، وعلماً من أعلام الأمة الإسلامية كلها مع هذه الفترة الوجيزة، لكنها كانت فترة عظيمة لالتصاقها برسول الله صلى الله عليه وسلم.
    [*]وذكر أهل السير في وصفها أموراً وأوصافاً كثيرة، كما أفاض في ذلك ابن كثير في البداية والنهاية عندما ترجم لها في سنة وفاتها قال: أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق ، وزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحب أزواجه إليه، المبرأة من فوق سبع سماوات رضي الله عنها وعن أبيها. 
    [*]وأمها هي: أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية وكانت عائشة رضي الله عنها تكنى بـأم عبد الله ، ولم يكن لها ولد؛ لأنها لم تلد مطلقاً لكنها ربت ابن أختها أسماء وهو عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، فكانت تكنى به رضي الله عنها.
    [*]وقد أوجز ابن كثير في هذه الترجمة ما سأذكره بإيجازه ثم يأتي تفصيل بعضه. 
    [*]ذكر ابن كثير جملة وافرة من خصائص عائشة رضي الله عنها فقال: لم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بكراً سواها، ولم ينزل عليه الوحي في لحاف امرأة غيرها، ولم يكن في أزواجه أحب إليه منها، فهذه كلها أمور لم يشاركها فيها غيرها.
    [*]قال: { وقد أتاه الملك بها في المنام في سرقة من حرير مرتين أو ثلاثاً يقول له: هذه زوجتك فتزوج بها بأمر الله ووحي الله سبحانه وتعالى }.
    [*]قال: ومن خصائصها: أنه كان لها في القسم يومان: يومها ويوم سودة حين وهبتها ذلك؛ تقرباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    [*]ومن خصائصها: أنه مات في يومها وفي بيتها وبين سحرها ونحرها صلى الله عليه وسلم، وجمع الله بين ريقه وريقها في آخر ساعة من ساعات الدنيا وأول ساعة من ساعات الآخرة له عليه الصلاة والسلام، ثم دفن في بيتها.
    [*]ومن خصائصها: أنها أعلم نساء النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي أعلم نساء الأمة على الإطلاق بلا نزاع في ذلك بين أهل العلم، وقد قال أهل العلم في وصف علمها شيئاً كثيراً يأتي ذكره لاحقاً.
    [*]فهذه عائشة رضي الله عنها بما ذكر في وصفها على سبيل الإجمال، وفضائلها كثيرة مشهورة في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قد جاء ونزل في حقها آيات تتلى من كتاب الله عز وجل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ففي الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { أريتك في المنام ثلاث ليال جاء بك الملك في سرقة من حرير فيقول: هذه امرأتك - يعني: مغطاة بقطعة من حرير – يقول: هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فإذا أنت، فأقول: إن يكن هذا من عند الله يمضه } وقد أمضاه الله سبحانه وتعالى.
    [*]وفي فضيلة قربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظيم محبته عليه الصلاة والسلام لها، ما ورد في الحديث الصحيح عن عمرو بن العاص -وهو ممن أسلم في السنة الثامنة للهجرة- أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: { أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: عائشة ، قال: فمن الرجال؟ قال: أبوها } فكانت هي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال الذهبي بعد إيراده هذا الحديث تعليقاً عليه قال: وهذا حديث ثابت صحيح رغم أنوف الروافض، وما كان عليه الصلاة والسلام ليحب إلا طيباً وقد قال: { لو كنت متخذاً خليلاً من هذه الأمة لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخوة الإسلام أفضل }يقول الذهبي : فأحب عليه الصلاة والسلام أفضل رجل وأفضل امرأة من أمته، فمن أبغض حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حري أن يكون بغيضاً إلى الله ورسوله. 
    [*]وأقوال الرافضة في عائشة رضي الله عنها مرفوضة مردودة قبيحة، حتى إن بعضهم قد غالى في ذلك وقال قولاً يكفر به صاحبه إن اعتقده؛ قال بعض الغلاة ممن كانوا على هذه النحلة والملة في تفسير قوله تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ))[البقرة:67] قال: هي عائشة تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
    [*]عن هشام بن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: { كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة ، قالت: فاجتمعن صواحبي إلى أم سلمة } لمعرفة الصحابة في محبة النبي عليه الصلاة والسلام لـعائشة فقد كانوا يهدون إليه في اليوم الذي يكون عندها، حتى يكون ذلك اليوم أكثر سعداً وفرحاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تقول عائشة : { فاجتمعن صواحبي إلى أم سلمة } وكانت أم سلمة من كبار أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سناً، وسيأتي تفصيل الحزبين اللذين كانا في أزواج النبي عليه الصلاة والسلام بحكم طبيعة المرأة وغيرتها: { فجئن إلى أم سلمة فقلن لها: إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة ، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة ، فقولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الناس أن يهدوا له أينما كان، فذكرت أم سلمة ذلك له فسكت فلم يرد عليها، فعادت الثانية فلم يرد عليها، فلما كان الثالثة قال: يا أم سلمة ! لا تؤذيني في عائشة ؛ فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها } وهذه فضيلة لها عن باقي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. 
    [*]وتحكي عائشة ، وهذا بيان طبيعة فطرة المرأة مع العصمة في الشرع، والبعد عن المخالفة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
    [*]تقول عائشة : { إن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كن حزبين: فحزب فيه عائشة و حفصة و صفية و سودة ، والحزب الآخر فيه: أم سلمة وسائر أزواجه، وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله عليه الصلاة والسلام عائشة ، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله أخرها حتى إذا كان في بيت عائشة بعث بها إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فتكلم حزب أم سلمة مع أم سلمة لتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها ذلك القول، فقالت في هذه الرواية أم سلمة : أتوب إلى الله من ذلك يا رسول الله، ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلنها إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام تقول له: إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر فكلمته فقال: يا بنية! ألا تحبين ما أحب؟ قالت: بلى، فرجعت إليهن وأخبرتهن، فقيل لها: ارجعي إليه، فأبت أن ترجع، فأرسلوا بعد ذلك زينب بنت جحش رضي الله عنهن جميعاً، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغلظت له في القول وقالت: إن نساءك ينشدنك الله العدل في ابنة أبي قحافة ، فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة -أي: ببعض القول- و عائشة قاعدة حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة هل تتكلم؟ قال: فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسككتها -أي: ذكرت لها من القول ما ألجمها وأسكتها- فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إنها ابنة أبي بكر } فشهد لها هذا الموقف بفضلها على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالجملة فهناك خلاف بين أهل العلم في التفضيل بينها وبين خديجة رضي الله عنهن أجمعين، وقد مال الذهبي إلى تفضيل عائشة رضي الله عنها.
    [*]ولذلك ورد عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: { فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام } وهذا تفضيل لها على سائر نساء أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لما كان لها من علم وسبق وفضل كما سيأتي ذكره. 
    [*]وفي مستدرك الحاكم عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن عائشة قالت: { قلت: يا رسول الله! مَنْ مِنْ أزواجك في الجنة؟ قال: إما إنك منهن، قالت: فخيل إلي أن ذلك لأنه لم يتزوج بكراً غيري } وهذا السؤال في حد ذاته ليس مجرد سؤال عابر، بل هو دليل على فطنة عائشة رضي الله عنها وحرصها على الفضل والخير، فإنها كانت ترى أزواج النبي عليه الصلاة والسلام وشأنه معهن في هذه الحياة الدنيا، وأنه كان يقسم لهن فأرادت أن ترى ما يكون في الآخرة، وما تستشرف له نفسها من أن تكون في الجنة، وأن تكون رفيقة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    [*]ومن حسن أدب المصطفى عليه الصلاة والسلام وكمال هديه ولطفه وبره، فإنه أخبر عائشة أنها منهن ولم يفردها بذلك ولم يعرض بغيرها من النساء، بل بشرها بذلك، وهذا يقتضى ويدل على أن أزواجه عليه الصلاة والسلام معه في الجنة بإذن الله عز وجل، ولكن في هذا الحديث بشارة واضحة لـعائشة رضي الله عنها على وجه الخصوص.
    [*]ومن الفضائل التي كانت لها أيضاً: أنه كما ورد عنها قالت: { توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي وليلتي وبين سحري ونحري، ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك رطب فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننت أنه يريده، فأخذته فمضغته ونفضته وطيبته ثم دفعته إليه فاستن به كأحسن ما رأيته مستناً قط، ثم ذهب يرفعه إلي فسقطت يده صلى الله عليه وسلم، فأخذت أدعو له بدعاء كان يدعو به له جبريل عليه السلام، وكان هو يدعو به إذا مرض فلم يدع به في مرضه ذاك، فرفع بصره صلى الله عليه وسلم إلى السماء وقال: الرفيق الأعلى وفاضت نفسه، فالحمد الذي جمع بين ريقي وريقه في آخر يوم من أيام الدنيا }.
    [*]ومن فطنة وحكمة وعدالة زوجات النبي عليه الصلاة والسلام أنهن رأين تعلق المصطفى صلى الله عليه وسلم بـعائشة في وقت مرضه، وكان يسأل وهو يمرض عند نسائه عن يوم عائشة ، فلما رأين ذلك أجمعن أمرهن وجعلن تمريض النبي صلى الله عليه وسلم وقت مرضه إلى عائشة في بيتها في كل الأيام والليالي، وهذا يدل على أن طبيعة الغيرة موجودة، ولكن الحكمة والعصمة بالشرع تكون أسمى وأرفع من ذلك، ولذلك وردت كثير من الأحاديث في فضلها رضي الله عنها. 
    [*]علم عائشة رضي الله عنها :-
    [*]أنتقل إلى جانب مهم من جوانب سيرة عائشة رضي الله عنها ذلكم: هو علمها؛ لأن هذا الجانب يكاد يكون في غاية الضعف عند نسائنا في هذه الأيام، فإننا إذا تحدثنا عن طلب العلم والحرص على دروس العلم.. ونحو ذلك، فكأن الغالب في أذهاننا أن ذلك الحديث مخصوص بالشباب دون الشابات، وبالرجال دون النساء، وكذلك نجد أن البيئة التي نعيش فيها تظهر فيها نماذج من طلبة العلم والحريصين عليه حفظاً لكتاب الله عز وجل، وحفظاً لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واطلاعاً على أقوال أهل العلم وكتب الفقهاء، وغير ذلك نجد ذلك في صفوف الرجال والشباب أكثر منه في صفوف النساء، حتى توهم الناس أنه لا يكون للمرأة قدرة على أن يكون حظها من العلم مثل حظ غيرها من الرجال، بل قد سرى وهم، إلى بعض الرجال أن المرأة زوجة كانت له أو بنتاً أو أختاً أنها دون أن تكون لها صلة بالعلم والاستنباط والفهم والفقه، مع أن هذا غير صحيح، ونشأ عن هذا فقر مهم، وفي نفس الوقت خطير؛ لأن النساء لهن حاجات ومسائل قد يمنعهن الحياء أن يسألن عنها الرجال، وخاصة في أمور المعاشرة مع الأزواج، وفي أمور الطهارة الخاصة بالنساء، فلما قل الفقه في النساء أصبح وقوع الخلل منهن؛ لعدم سؤالهن للرجال حياءً أو تحرجاً أو غير ذلك، أصبح هذا ظاهراً بشكل كبير، وهذا أيضاً مدخل خطير؛ لأن عدم تهيؤ المرأة واستعدادها وميلها وعلمها بإمكانية طلبها للعلم ونبوغها فيه ونفعها لبنات جنسها، جعلها أكثر عرضة وتهيئةً لأن يصطادها أعداء الله عز وجل، وأن يشغلوها بأفكار ومطالعات وقراءات بعيدة عما ينفعها في دينها ودنياها وفي آخرتها.
    [*]ولذلك في الحقيقة أرى أن جانب العلم سيما في الأمور التي تخص المرأة من المهم جداً أن تنتدب له النساء الصالحات القانتات العابدات، وأن يحث الرجل من له عليه ولاية من النساء على أن تأخذ حظها من العلم؛ لتنفع نفسها وتنفع بنات جنسها، وإن حديث الرجال إلى النساء قاصر في تأثيره وفي لمسه لحاجتهن ومعرفته بأحوالهن؛ ولذا يكون لسان المرأة إلى المرأة أبلغ، وتعليم المرأة للمرأة أقوى، ولأن الحواجز والموانع الشرعية من الحجاب وغير ذلك تمنع من أن يكون التواصل العلمي والتربوي كاملاً، فإنه لا يغني ذلك من جانب الرجال الغناء الكامل، بل لا بد أن يكون في صفوف النساء المسلمات عالمات ومربيات وداعيات؛ لأن علمهن بأحوال النساء وقربهن منهن وقدرتهن على معاشرتهن ومواجهتهن ومكاشفتهن ومصارحتهن تؤدي دوراً أكبر، ولذلك أسوق هذه القدوة في العلم للنساء وللرجال، فإن عائشة رضي الله عنها قد كان الرجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أشكل عليهم الأمر وأعجزتهم المسألة رجعوا إلى عائشة رضي الله عنها، فأخبرتهم حكم وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها.
    [*]فلذلك قال الذهبي رحمة الله عليه: إن عائشة أفقه نساء الأمة على الإطلاق. 
    [*]وذكر أن مسند عائشة من الأحاديث يبلغ ألفين ومائتين وعشرة أحاديث، اتفق البخاري و مسلم منها على مائة وأربعة وسبعين حديثاً، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين حديثاً، وانفرد مسلم بتسعة وستين حديثاً، ولا يوجد في النساء من هي أكثر رواية  لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة ، ولم يكن زواج النبي صلى الله عليه وسلم بالعدد الكثير من النساء عبثاً؛ وإنما كان ليطلعن على ما لا يطلع عليه إلا المرأة من زوجها في شأن الأمور الدقيقة؛ فينقلن هذا العلم والأحكام الشرعية المتعلقة بأخص خصائص ما بين الرجل وزوجته لنساء الأمة ورجالها على حد سواء، ولذلك قال الذهبي : لا أعلم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم بل ولا في النساء مطلقاً امرأة أعلم منها.
    [*]وقال الزهري : لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزوجه وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل.
    [*]وقال عطاء بن أبي رباح : كانت عائشة رضي الله عنها أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً في العامة، وتأمل هذه الجملة الأخيرة، بل تأمل هذا النص كله: كانت أفقه الناس، وأعلم الناس، فالفقه غير العلم، العلم حفظ، والفقه استنباط، فقد جمعت بين الأمرين معاً، وأحسن الناس رأياً في العامة، أي: أنها تعرف أمور الناس ومجريات الحياة، وما ينبغي أن يكون من التوجيه، وكيف تكون هذا الأساليب.
    [*]وقد ورد في مسند الإمام أحمد بسند صحيح: (أن عائشة رضي الله عنها استدعت قاص أهل مكة الذي كان يقص لهم القصص ويعظهم بالمواعظ، وقالت له: لتعاهدني أو لأقاطعنك، قال: علام يا أم المؤمنين أو زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ألا تمل الناس وألا تقنطهم وإذا حدثتهم فحدثهم يوماً ويوماً) يعني: لا تملهم في الحديث، وقالت له: (لا تملهم بطول حديثك وتكراره، ولا تقنطهم بتأييسهم من رحمه الله عز وجل وإكثار الخوف عليهم، دون أن تفتح لهم باب الرجاء) وتلك العبارة تدلنا على أنها كانت أحسن الناس رأياً في العامة.
    [*]وقال عروة : ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة رضي الله عنها، وهذه الرواية عن عروة تروى بوجه آخر مفصل يبين لنا أن عائشة كانت على ذكاء وافر وفطنة عجيبة، يقول عروة وهو ابن أختها: صحبت عائشة رضي الله عنها فما رأيت أحداً قط كان أعلم بآية أنزلت ولا بفريضة، ولا بسنة، ولا بشعر، ولا أروى له، ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب، ولا بقضاء ولا طب منها. 
    [*]فانظر فقد كانت تعرف الأنساب ولا غرو في ذلك فهي ابنة نسابة قريش أبي بكر رضي الله عنه.
    [*]وكونها تعلم علم القرآن والسنة والفقه لا غرو في ذلك فقد كانت زوجة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
    [*]يقول عروة : { قلت لها: يا خالة! الطب من أين علمتيه عرفنا أنك علمت الفقه والأحكام من الرسول عليه الصلاة والسلام، والنسب من أبي بكر ، والشعر من حسان ، لكن الطب من أين لك هذا الطب؟ فقالت: كنت أمرض فينعت لي رسول الله صلى الله عليه وسلم الشيء لأتعالج به، ويمرض المريض فينعت له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسمع الناس ينعت بعضهم لبعض فأحفظه }، فكانت رضي الله عنها طبيبة قلوب وطبيبة أبدان، فهذا يدل على الفطنة، ويدل على أن عائشة لم تكن اهتماماتها اهتمامات سطحية كحال بعض نسائنا اليوم.
    مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

    لا يوجد حالياً أي تعليق


      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 4:53 am