هل السنة والجماعة:

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
هل السنة والجماعة:

أحــہٰٰ۫ـــفاد الصــہٰٰ۫ـــحــہٰٰ۫ـــابه رضــہٰٰ۫ـــوان الله عليۦ‏ــہٰٰ۫ـــهمے أحــہٰٰ۫ـــفادعمــہٰٰ۫ـــر الفاروق .


    يتبع ماسبق بيعة على رضى الله عنه لعثمان رضى الله عنه

    فتون السلمي
    فتون السلمي
    صــــاحــــب المــــوقــــ؏ے
    صــــاحــــب المــــوقــــ؏ے

    عدد المساهمات : 223
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 11/06/2016
    الموقع : جدة
    27062016

    يتبع ماسبق بيعة على رضى الله عنه لعثمان رضى الله عنه Empty يتبع ماسبق بيعة على رضى الله عنه لعثمان رضى الله عنه

    مُساهمة من طرف فتون السلمي

    سادسًا: من أقوال علي في الخلفاء الراشدين:
    إن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم- قد أجمع على صحتها وانعقادها الصحابة الكرام، ومن طعن في أحد منهم فقد خالف قول الله تعالى:
    (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا). [النساء:115]،وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ». فهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي- رضي الله عنهم- ومن اتبعهم بإحسان, وما أحسن ما قاله أيوب السختياني في هذا المقام حيث قال: من أحب أبا بكر فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله عز وجل، ومن أحب عليًا فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن أحسن القول في أصحاب محمد فقد برئ من النفاق.
    قال الشاعر:
    إني رضيتُ عليًا قدوةً علمًا
    كما رضيتُ عتيقًا صاحبَ الغارِ
    وقد رضيتُ أبا حفصٍ وشيعتَهُ
    وما رضيتُ بقتلِ الشيخِ في الدارِ
    كلُّ الصحابةِ عندي قدوةٌ علمٌ
    فهل عليّ بهذا القولِ من عارِ
    إنْ كنتَ تعلمُ أني لا أحبُّهمُ
    إلاّ لوجهك أعتقني من النارِ
    هذا وقد جاءت الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة في العلاقة المتميزة بين علي والخلفاء الراشدين- رضي الله عنهم- وقد تم توضيح ذلك في الصفحات الماضية، وهذه بعض الأدلة نضيفها إلى ما سبق من براهين ساطعة على مكانة الخلفاء الراشدين عند أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.
    1- سيدا كهول أهل الجنة وشبابها: عن علي -رضي الله عنه- قال: كنت عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فأقبل أبو بكر وعمر، فقال: يا علي، هذان سيدا كهول أهل الجنة، وشبابها، بعد النبيين والمرسلين.
    ما أضمر لهما إلاّ الذي أتمنى المضيّ عليه: عن سويد بن غفلة، قال: مررت بنفر من الشيعة يتناولون أبا بكر وعمر، فدخلت على عليٍّ فقلت: يا أمير المؤمنين، مررت بنفر من أصحابك آنفًا يتناولون أبا بكر وعمر بغير الذي هما له من الأمة أهل، فلولا أنك تُضْمُر على مثل ما أعلنوا عليه ما تجرؤوا على ذلك فقال عليّ: ما أضمر لهما إلاّ الذي أتمنى المضيّ عليه، لعن الله من أضمر لهما إلاّ الحسن الجميل، ثم نهض دامع العين يبكي، قابضًا على يدي حتى دخل المسجد، فصعد المنبر وجلس عليه متمكنًا قابضًا على لحيته ينظر فيها وهى بيضاء، حتى اجتمع له الناس، ثم قام فخطب خطبة موجزة بليغة، ثم قال: ما بال قوم يذكرون سيدي قريش وأبوي المسلمين؟ أنا مما قالوا بريٌّ، وعلى ما قالوا مُعاقب، ألا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لا يحبهما إلاّ مؤمن تقي، ولا يبغضهما إلاّ فاجر رديّ، صحبا رسول الله على الصدق والوفاء، يأمران وينهيان، وما يجاوزان فيما يصنعان رأي رسول الله، ولا كان رسول الله يرى بمثل رأيهما، ولا يحب كحبهما أحدًا، قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهما راض، ومضيا والمؤمنون عنهما راضون، أمر رسول الله أبا بكر لصلاة المؤمنين، فصلى بهم تسعة أيام في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما قبض الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- واختار له ما عنده، ولاّه المؤمنون أمرهم، وقضوا إليه الزكاة، لأنهما مقرونان، ثم أعطوه البيعة طائعين غير كارهين، أنا أول من سن ذلك من بني عبد المطلب، وهو لذلك كاره يودّ أن أحدنا كفاه ذلك، وكان –والله- خير من بقي، أرحمه رحمة، وأرأفه رأفة، وأثبته ورعًا، وأقدمه سنًا وإسلامًا..فسار فينا سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى مضى على ذلك، ثم ولى عمر الأمر من بعده، فمنهم من رضي، ومنهم من كره، فلم يفارق الدنيا حتى رضي به من كان كرهه، فأقام الأمر على منهاج النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه، يتبع آثارهما كتباع الفصيل أمه، وكان والله رفيقًا رحيمًا، وللمظلومين عونًا راحمًا وناصرًا، لا يخاف في الله لومة لائم، ضرب الله بالحق على لسانه، وجعل الصدق من شأنه، حتى كنا نظن أن ملكًا ينطق على لسانه، أعز الله بإسلامه الإسلام، وجعل هجرته للدين قوامًا، ألقى الله تعالى له في قلوب المنافقين الرهبة، وفي قلوب المؤمنين المحبة..إلى أن قال: فمن لكم بمثلهما – رحمة الله عليهما- ورزقنا المضيّ على سبيلهما، فإنه لا يبلغ مبلغهما إلاّ باتباع آثارهما والحبًّ لهما، ألا فمن أحبني فلُيحبّهما، ومن لم يحبهما فقد أبغضني، وأنا منه بريء، ولو كنت تقدمت إليكم في أمرهما لعاقبت على هذا أشد العقوبة، ولكن لا ينبغي أن أعاقب قبل التقدم، ألا فمن أتيت به يقول هذا بعد اليوم، فإن عليه ما على المفتري، ألا وخير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر وعمر، ولو شئت سميت الثالث، وأستغفر الله لي ولكم.
    2- هذا عثمان بن علي سميته بعثمان بن عفان: عن أبي سعيد الخدري: نظرت إلى غلام أيفع, له ذؤابة وجمة, والله يعلم أني منه حينئذ لفي شك، ما أدري غلام هو أم جارية، فمررنا بأحسن منه، وهو جالس إلى جنب علي فقلت: عافاك الله، من هذا الفتى إلى جانبك؟ قال: هذا عثمان بن علي سميته بعثمان بن عفان، وقد سميت بعمر بن الخطاب، وسميت بعباس عم رسول الله، وقد سميت بخير البرية محمد، فأما حسن وحسين ومحسن فإنما سماهم رسول الله، وعقَّ عنهم، وحلق رؤوسهم, وتصدق وزنها وأمر بهم فسموا وختنوا, فقد ولدوا في عهده عليه الصلاة والسلام، ورسول الله هو الذي سمّاهم وعقّ عنهم.
    3- أبو بكر وعمر وعثمان-رضي الله عنهم- كان لهم بالنبي اختصاص عظيم: قد عُرف بالتواتر الذي لا يخفى على العامة والخاصة أن أبا بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- كان لهم بالنبي -صلى الله عليه وسلم- اختصاص عظيم، وكانوا من أعظم الناس اختصاصًا به، وصحبة له وقربة إليه، وقد صاهرهم كلهم، وكان يحبهم، ويثني عليهم، وحينئذ فإما أن يكونوا على الاستقامة ظاهرًا وباطنًا في حياته وبعد موته، وإما أن يكونوا بخلاف ذلك في حياته، أو بعد موته، فإن كانوا على غير الاستقامة مع هذا القرب فأحد الأمرين لازم، إما عدم علمه بأحوالهم، أو مداهنته لهم، وأيهما كان فهو من أعظم القدح في الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما قيل:
    فإنْ كنتَ لا تدري فتلك مصيبةٌ
    وإنْ كنتَ تدري فالمصيبةُ أعظمُ
    وإن كانوا انحرفوا بعد الاستقامة فهذا خذلان من الله للرسول في خواصّ أمته، وأكابر أصحابه، ومن وعد أن يظهر دينه على الدين كله، فكيف يكون أكابر خواصه مرتدين؟ فهذا ونحوه من أعظم ما يقدح به الرافضة في الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما قال الإمام مالك وغيره: إنما أراد هؤلاء الرافضة الطعن في الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليقول القائل: رجل كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحًا لكان أصحابه صالحين، ولهذا قال أهل العلم: إن الرافضة دسيسة الزندقة.
    4- ما يترتب عليه من مذهب الرافضة من تكفير الصحابة: إن مذهب الرافضة في تكفير الصحابة يترتب عليه تكفير أمير المؤمنين لتخليه عن القيام بأمر الله، ويلزم عليه إسقاط تواتر الشريعة، بل بطلانها ما دام نَقَلَتُها مرتدين، ويؤدي إلى القدح في القرآن العظيم؛ لأنه وصلنا عن طريق أبي بكر وعمر وعثمان وإخوانهم، وهذا هو هدف واضع هذه المقالة، ولذلك قال أبو زرعة: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حق والقرآن حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة, ولذلك اعترفت كتب الشيعة أن الذي وضع هذه المقالة هو ابن سبأ فقالت: إنه أول من أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرّأ منهم، وادّعى أن عليًا عليه السلام أمره بذلك.
    5- قرائن عملية وأدلة واقعية على حقيقة العلاقة بين علي والخلفاء الراشدين: قامت القرائن العملية والأدلة الواقعية من سيرة أمير المؤمنين علي في علاقته مع إخوانه أبي بكر وعمر وعثمان مما اشتهر وذاع نقله، وقد نقلنا منه الكثير فيما مضى ما يثبت المحبة الصادقة والإخاء الحميم بين هذه الطليعة المختارة، والصفوة من جيل الصحابة- رضوان الله عليهم- وتأتي في مقدمة هذه الأدلة والقرائن تزويج أمير المؤمنين علي ابنته أم كلثوم لأمير المؤمنين عمر, فإذا كان عمر فاروق هذه الأمة قد صار عند الشيعة الروافض أشد كفرًا من إبليس، أفلا يرجعون إلى عقولهم ويتدبرون فساد ما ينتهي إليه مذهبهم؟ إذ لو كان أبو بكر وعمر- رضي الله عنهما- كافرين -كما يفترون- لكان علي بتزويجه ابنته أم كلثوم الكبرى من عمر، رضي الله عنه، كافرًا أو فاسقًا معرضًا بنته للزنا، لأن وطء الكافر للمسلمة زنا محض, والعاقل المنصف البريء من الغرض، الصادق في محبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته واتباعه لهم لا يملك إلاّ الإذعان لهذه الحقيقة، حقيقة الولاء والحب بين الخلفاء الأربعة- رضوان الله عليهم- ولذلك لما قيل لمعز الدولة أحمد بن بويه- وكان رافضيًا يشتم صحابة رسول الله – إن عليًا- رضي الله عنه – زوّج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب، استعظم ذلك وقال: ما علمت بهذا، وتاب وتصدّق بأكثر ماله، وأعتق مماليكه، ورد كثيرًا من المظالم، وبكى حتى غشي عليه, لشعوره بعظم جرمه فيما سلف من عمره، الذي أمضاه ينهش في أعراض هؤلاء الأطهار مغترًا بشبهات الروافض, وقد حاول شيوخ الشيعة الروافض إبطال مفعول هذا الدليل، فوضعوا روايات مكذوبة على لسان الأئمة تقول: ذلك فرج غصبناه, فزادوا الطين بلة، حتى صوّروا أمير المؤمنين في صورة «الديوث» الذي لا ينافح عن عرضه، ويقر الفاحشة في أهله، وهل يُتصوّر مثل هذا في حق أمير المؤمنين علي بطل الإسلام؟ إن أدنى العرب ليبذل نفسه دون عرضه، ويُقتل دون حرمه، فضلاً عن بني هاشم الذين هم سادات العرب، وأعلاها نسبًا، وأعظمها مروءة وحمية، فكيف يثبتون لأمير المؤمنين وابنته حفيدة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل هذه المنقصة الشنيعة، وهو الشجاع الصنديد، ليث بني غالب، أسد الله في المشارق والمغارب.
    ويبدو أن بعضهم لم يعجبه هذا التوجيه، فرام التخلّص من هذا الدليل بمنطق أغرب وأعجب؛ إذ زعم أن أم كلثوم لم تكن بنت علي، ولكنها جنية تصورت بصورتها, فأتوا بما يستخف به أصحاب العقول، ويستطيع كل من أراد أن يدّعي على من يكرهه بأنه جني أو جنية، وهكذا يعيش الناس في الخرافات، وتضيع الحقيقة.
    ومن القرائن أيضاً علاقات القربى القائمة بينهم، ووشائج الصلة، وكذلك مظاهر المحبة، حتى إن عليًا والحسن والحسين- كما مر معنا- يسمون بعض أولادهم باسم أبي بكر وعمر، وهل يطيق أحد أن يسمى أولاده بأسماء أشد أعدائه كفرًا وكرهًا له؟ وهل يطيق أن يسمع أسماء أعدائه تتردّد في أرجاء بيته يرددها مع أهله في يومه مرات وكرات.
    إن أمير المؤمنين عليًا – رضي الله عنه – لا يحفظ عنه الصحابة، ومن تبعهم من التابعين، ومن بعدهم من أئمة المسلمين إلاّ محبة أبي بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم – في حياتهم، وفي خلافتهم وبعد وفاتهم، فأما في خلافتهم فسامع لهم مطيع، يحبّهم ويحبّونه، ويعظّم قدرهم ويعظّمون قدره، صادق في محبتهم، مخلص في الطاعة لهم، يجاهد من يجاهدون، ويحبّ ما يحبّون، ويكره ما يكرهون. يستشيرونه في النوازل فيشير مشورة ناصح مشفق محب، فكثير من سيرتهم بمشورة جرت, وهم يبادلونه نفس الشعور ويُقال: إنه لا يجتمع حب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي إلاّ في قلوب أتقياء هذه الأمة, وقال سفيان الثوري: لا يجتمع حب عثمان وعلي -رضي الله عنهما- إلاّ في قلوب نبلاء الرجال, وقال أنس بن مالك: قالوا: إن حب عثمان وعلي -رضي الله عنهما- لا يجتمعان في قلب مؤمن، كذبوا، فقد جمع الله -عز وجل- حبهما -بحمد الله- في قلوبنا.
    سابعًا: وصف لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم:
    قال تعالى: ( مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ). [الفتح:29].
    ومن المناسب أن أختم هذا الفصل بهذه الآية الكريمة لتكون دليلاً على ما ذكرته من المحبة والرحمة والتعاون بين الخلفاء الراشدين والصحابة الكرام؛ فهذه الآية تضمنت ذكر منزلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالثناء، ثم ثنّى الله تعالى فيها بالثناء على سائر الصحابة-رضوان الله عليهم أجمعين-فذكر تعالى أن صفاتهم الشدة والغلظة على أهل الكفر، كما وصفهم بالتراحم والتعاطف فيما بينهم، ووصفهم بأنهم يكثرون من الأعمال الصالحة المقرونة بالإخلاص وسعة الرجاء، وفي مقدمة تلك الأعمال الصالحة إكثارهم من الصلاة ابتغاء الحصول على فضل من الله ورضوان، كما بيّن – سبحانه – أن آثار ذلك تظهر على وجوههم ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) والسيما أي العلامة، وقد قيل بها بياض يكون في الوجوه يوم القيامة، قاله الحسن وسعيد بن جبير، وهى رواية عن ابن عباس -رضي الله عنهما- ورواية أخرى عنه وعن مجاهد: السيماء في الدنيا هو السمت الحسن «وعن مجاهد أيضًا: هو الخشوع والتواضع».
    وهذه الأقوال لا منافاة بينها؛ إذ يمكن أن يكون في الدنيا هو السمت الذي ينشأ عن التواضع والخشوع، وفي الآخرة يكون في جباههم نور، قال ابن كثير: فالصحابة – رضي الله عنهم – خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم، فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم، وقال مالك- رضي الله عنه-: بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة، رضي الله عنهم -الذين فتحوا الشام- يقولون: والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا، وصدقوا في ذلك، فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد نوّه الله – تبارك وتعالى – بذكرهم في الكتب المنزلة والأخبار المتداولة، ولهذا قال – سبحانه – ههنا: ( مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ) ثم قال: ( وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ) أي: فراخه ( فَآزَرَهُ) أي: شدّه وقوّاه ( فَاسْتَغْلَظَ ) أي: شب وطال ( فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) أي فكذلك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آزروه وأيّدوه ونصروه, فهم معه كالشطء مع الزرع ( لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ )، ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك -رحمة الله عليه- في رواية عنه تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم, قال: لأنهم يغيظونه, ومن غاظه الصحابة -رضي الله عنهم- فهو كافر لهذه الآية, ووافقه طائفة من العلماء على ذلك.. ثم قال تبارك وتعالى: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم) أي: ثوابًا جزيلاً ورزقًا كريمًا، ووعد الله حق وصدق لا يخلف ولا يبدل، وكل من اقتفى أثر الصحابة -رضي الله عنهم- فهو في حكمهم ولهم الفضل والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة رضي الله عنهم وأرضاهم، وجعل جنات الفردوس مأواهم، وقد فعل، وفي قوله- سبحانه – في حق الصحابة الكرام رضي الله عنهم ( لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) أخطر حكم، وأغلظ تهديد، وأشد وعيد في حق من غيظ بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو كان في قلبه غلّ لهم، وأما قوله تعالى في ختام الآية: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) ففيها وعد من الله تعالى لجميع الصحابة بالجنة، وكذلك كل من آمن وعمل الصالحات من أمة الإجابة؛ إذ هذا الوعد لجميع المؤمنين إلى يوم القيامة, وكلمة «منهم» في الآية السابقة: «من» لبيان الجنس وليست للتبعيض، قال ابن تيمية: لا ريب إن هذا مدح لهم بما ذكر من الصفات، وهو الشدة على الكفار، والرحمة بينهم، والركوع والسجود يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا، والسيماء في وجوههم من أثر السجود، وأنهم يبتدئون من ضعف إلى كمال القوة والاعتدال كالزرع، والوعد لهم بالمغفرة والأجر العظيم ليس على مجرد هذه الصفات، بل على الإيمان والعمل الصالح، فذكر ما به يستحقون الوعد، وإن كانوا كلهم بهذه الصفة، ولولا ذكر ذلك لكان يظن أنهم بمجرد ما ذكر يستحقون المغفرة، ولم يكن فيه بيان سبب الجزاء بخلاف ما إذا ذكر الإيمان والعمل الصالح، فإن الحكم إذا علق باسم مشتق مناسب كان ما منه الاشتقاق سبب الحكم.
    إن ما ذكرته في هذا الفصل ينسجم كليًا مع حديث القرآن الكريم عن الرحمة بين الصحابة والشدة على الكفار، وخصوصًا بين الخلفاء الراشدين، فهم السادة الكرام، وعلية القوم، وقادة الأمة بعد وفاة نبيها، فالحذر من الروايات الضعيفة والقصص الموضوعة التي اختلقها أعداء الأمة ليشوّهوا به تاريخ صدر الإسلام، أنصدق الروايات الكاذبة والقصص الواهية التي تصور العداء بين الخلفاء الراشدين، أم نصدق كتاب ربنا، وما جاء في حقهم على لسان نبينا، وما يوافقه مما دونه العلماء الثقات من أهل السنة والجماعة؟
    قال تعالى: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:63]، فهذا وصف القرآن الكريم لحقيقة الألفة بين قلوب الصحابة، فهي منحة ربانية ونعمة أعطاها الله لذلك الجيل الطاهر لا دخل لبشر فيها، وبيَّن القرآن الكريم أن الألفة بين الصحابة نعمة من الله تعالى امتن بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا التصوير القرآني لحقيقة الصحابة ينسجم مع الروايات الصحيحة التي تبين محبّة الصحابة والمودّة بينهم، وبذلك يفتضح أمر الذين وضعوا الروايات المكذوبة والموضوعة، والآية تشمل كلّ من سار على هدى القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين، قال ابن عباس: قرابة الرحم تقطع، ومنة المنعم تكفر، ولم نر مثل تقارب القلوب.
    قال الشاعر:
    ولقد صحبتُ الناسَ ثم خبرتُهم
    وبلوْتُ ما وصلوا من الأسبابِ
    فإذا القرابةُ لا تقرّبُ قاطعًا
    وإذا المودّةُ أقربُ الأسبابِ
    مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

    لا يوجد حالياً أي تعليق


      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين أبريل 29, 2024 1:28 pm